سورة غافر - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} العقوبات، {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ} أي: ومن تقه السيئات يعني العقوبات، وقيل: جزاء السيئات، {يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ} يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم حين عرضت عليهم سيئاتهم، وعاينوا العذاب، فيقال لهم: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} يعني لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم عند حلول العذاب بكم.
{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- وقتادة والضحاك: كانوا أمواتًا في أصلاب آبائهم فأحياهم الله في الدنيا، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما موتتان وحياتان، وهذا كقوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم} [البقرة- 28]، وقال السدي: أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم للسؤال، ثم أميتوا في قبورهم ثم أحيوا في الآخرة. {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} أي: من خروج من النار إلى الدنيا فنصلح أعمالنا ونعمل بطاعتك، نظيره: {هل إلى مرد من سبيل} [الشورى- 44].


قال الله تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} وفيه متروك استغني عنه لدلالة الظاهر عليه، مجازه: فأجيبوا أن لا سبيل إلى ذلك، وهذا العذاب والخلود في النار بأنكم إذا دعي الله وحده كفرتم، إذا قيل لا إله إلا الله كفرتم وقلتم: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا} [ص- 5] {وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ} غيره، {تُؤْمِنُوا} تصدقوا ذلك الشرك، {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} الذي لا أعلى منه ولا أكبر.
{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنزلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} يعني: المطر الذي هو سبب الأرزاق، {وَمَا يَتَذَكَّرُ} وما يتعظ بهذه الآيات، {إِلا مَنْ يُنِيبُ} يرجع إلى الله تعالى في جميع أموره.
{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الطاعة والعبادة. {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة، {ذُو الْعَرْشِ} خالقه ومالكه، {يُلْقِي الرُّوحَ} ينزل الوحي، سماه روحًا لأنه تحيا به القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح، {مِنْ أَمْرِهِ} قال ابن عباس: من قضائه. وقيل: من قوله. وقال مقاتل: بأمره. {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ} أي: لينذر النبي بالوحي، {يَوْمَ التَّلاقِ} وقرأ يعقوب بالتاء أي: لتنذر أنت يا محمد يوم التلاق، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض. قال قتادة ومقاتل: يلتقي فيه الخلق والخالق. قال ابن زيد: يتلاقى العباد. وقال ميمون بن مهران: يلتقي الظالم والمظلوم والخصوم. وقيل: يلتقي العابدون والمعبودون. وقيل: يلتقي فيه المرء مع عمله.
{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} خارجون من قبورهم ظاهرون لا يسترهم شيء، {لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ} من أعمالهم وأحوالهم، {شَيْءٌ} يقول الله تعالى في ذلك اليوم بعد فناء الخلق: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْم}.
فلا أحد يجيبه، فيجيب نفسه فيقول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} الذي قهر الخلق بالموت.


{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} يجزى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} يعني: يوم القيامة، سميت بذلك لأنها قريبة إذ كل ما هو آت قريب، نظيره قوله عز وجل: {أزفت الآزفة} [النجم- 57] أي: قربت القيامة {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} وذلك أنها تزول عن أماكنها من الخوف حتى تصير إلى الحناجر، فلا هي تعود إلى أماكنها، ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا ويستريحوا، {كَاظِمِين} مكروبين ممتلئين خوفًا وحزنًا، والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حتى يضيق به. {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} قريب ينفعهم، {وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} فيشفع فيهم.
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ} أي: خيانتها وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحل. قال مجاهد: وهو نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه. {وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}.
{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} يعني الأوثان {لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} لأنها لا تعلم شيئًا ولا تقدر على شيء، قرأ نافع وابن عامر: {تدعون} بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء. {إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} قرأ ابن عامر: {منكم} بالكاف، وكذلك هو في مصاحفهم، {وَآثَارًا فِي الأرْضِ} فلم ينفعهم ذلك {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} يدفع عنهم العذاب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7